فصل: فَصْلٌ: (فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ]:

(فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ) مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهَا (تَجِبُ) الدِّيَةُ (كَامِلَةً فِي كُلِّ حَاسَّةٍ)؛ أَيْ: الْقُوَّةِ الْحَاسَّةِ. يُقَالُ حَسَّ وَأَحَسَّ؛ أَيْ: عَلِمَ وَأَيْقَنَ، وَالْأَلِفُ أَفْصَحُ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَوَاسُّ: الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ فَقَوْلُهُ: (مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ) بَيَانٌ لِحَاسَّةٍ؛ لِحَدِيثِ «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ». وَلِأَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَنِكَاحُهُ وَعَقْلُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالرَّجُلُ حَيٌّ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِنَفْعٍ أَشْبَهَ السَّمْعَ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةً (فِي) إذْهَابِ (كَلَامِهِ) كَأَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَخَرِسَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِإِتْلَافِهِ تَعَلَّقَتْ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ كَالْيَدِ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي عَقْلٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْإِجْمَاعِ، لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا وَأَعْظَمُهَا نَفْعًا؛ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ، وَبِهِ يَهْتَدِي لِلْمَصَالِحِ، وَيَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلْوِلَايَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي (حَدَبٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي مَصْدَرِ حَدِبَ بِكَسْرِ الدَّالِ إذَا صَارَ أَحْدَبَ؛ لِذَهَابِ الْجَمَالِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْتِصَابَ الْقَامَةِ مِنْ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَبِهِ شَرَفُ الْآدَمِيِّ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي (صَعَرٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بِأَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ وَجْهُهُ)؛ أَيْ: الْمَضْرُوبِ (فِي جَانِبٍ) نَصًّا، وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ فَيَلْتَوِي مِنْهُ عُنُقُه.
قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّك لِلنَّاسِ} أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِك تَكَبُّرًا.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ (فِي تَسْوِيدِهِ)؛ أَيْ: الْوَجْهِ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَاسْوَدَّ (وَلَمْ يَزُلْ) سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ كَقَطْعِ أُذُنَيْ الْأَصَمِّ، وَإِنْ صَارَ الْوَجْهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَحُكُومَةٌ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ (فِي صَيْرُورَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (لَا يَسْتَمْسِكُ غَائِطًا أَوْ) لَا يَسْتَمْسِكُ (بَوْلًا)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَتُهُ كَبِيرَةٌ، لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهَا، أَشْبَهَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَإِنْ فَاتَتْ؛ الْمَنْفَعَتَانِ وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَدِيَتَانِ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي (مَنْفَعَةِ مَشْيٍ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْكَلَامَ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي مَنْفَعَةِ (نِكَاحٍ) كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ نِكَاحُهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ، أَشْبَهَ الشَّمَّ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ (أَكْلٍ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ؛ أَشْبَهَ الْمَشْيَ.
(وَ) تَجِبُ كَامِلَةٌ فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ (صَوْتٍ وَ) مَنْفَعَةِ (بَطْشٍ)؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِنْهُمَا نَفْعًا مَقْصُودًا.
(وَ) تَجِبُ (فِي) إذْهَابِ (بَعْضٍ يُعْلَمُ). قَدْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنَافِعِ (بِقَدْرِهِ)؛ أَيْ: الذَّاهِبِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ (كَأَنْ) جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ (يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا آخَرَ أَوْ يَذْهَبُ ضَوْءُ عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (شَمُّ مَنْخَرٍ) وَاحِدٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (سَمْعُ أُذُنٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ) يَذْهَبُ (أَحَدُ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ، وَهِيَ الْحَلَاوَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالْعُذُوبَةُ وَالْمُلُوحَةُ وَالْحُمُوضَةُ)؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ حَاسَّةٌ تُشْبِهُ الشَّمَّ (وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الْمَذَاقِ (خُمْسُ الدِّيَةِ) وَفِي اثْنَيْنِ مِنْهُمَا خُمُسَاهَا وَهَكَذَا. (وَيَجِبُ فِي إذْهَابِ بَعْضِ الْكَلَامِ بِحِسَابِهِ) مِنْ الدِّيَةِ (وَعَكْسِهِ) كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ لِسَانٍ نِصْفَهُ فَذَهَبَ رُبُعُ الْكَلَامِ (بِعَكْسِهِ)، أَيْ: يَجِبُ بِقَطْعِ نِصْفِ اللِّسَانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْكَلَامِ تَبَعٌ لَهُ؛ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ بِلَا نِزَاعٍ (وَعَلَى مَنْ قَطَعَ بَقِيَّتَهُ)؛ أَيْ: بَقِيَّةَ اللِّسَانِ الذَّاهِبِ رُبُعُهُ مَعَ نِصْفِ الْكَلَامِ فَذَهَبَ بِقَطْعِهِ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ (تَتِمَّتُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ وَهُوَ نِصْفُهَا (مَعَ حُكُومَةٍ لِرُبُعِ اللِّسَانِ) الَّذِي لَا كَلَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَشَلِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيز. (وَلَوْ قَطَعَ) جَانٍ (نِصْفَهُ)؛ أَيْ: اللِّسَانِ (فَذَهَبَ) بِقَطْعِهِ (رُبُعُ الْكَلَامِ، ثُمَّ) قَطَعَ (آخَرُ بَقِيَّتَهُ)؛ أَيْ: اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَاقِي الْكَلَامِ (فَعَلَى) الْجَانِي (الْأَوَّلِ بِهِ نِصْفُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِقَطْعِهِ نِصْفَ اللِّسَانِ (وَعَلَى) الْجَانِي (الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ؛ لِإِذْهَابِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ. (وَمَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ) فَدِيَةٌ (أَوْ كَانَ) مَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ (أَخْرَسَ) فَعَلَى قَاطِعِهِ (دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ فِي اللِّسَانِ، وَتَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْعَيْنَيْنِ (وَلَا يَرُدُّهَا) مَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ دِيَةً قَبَضَهَا (بِعَوْدِ لِسَانِهِ بِلَا ذَوْقٍ وَلَا كَلَامٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي لِسَانٍ عَارٍ عَنْ الذَّوْقِ وَالْكَلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ كَلَامُهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ ثُمَّ عَادَ كَلَامُهُ؛ فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَرُدُّ الدِّيَةَ لِلْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ كُلُّ كَلَامِهِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَعَادَ كَلَامُهُ لَمْ يَجِبْ رَدُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ بِاللِّسَانِ قَدْ ذَهَبَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا عَادَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ. (وَإِنْ اقْتَصَّ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (مِنْ جَانٍ كَمِثْلِهِ)؛ أَيْ: مِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ كَكَوْنِ الْجَانِي قَطَعَ رُبُعَ لِسَانِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ، فَقَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رُبُعَ لِسَانِ الْجَانِي (فَذَهَبَ مِنْ كَلَامِهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَدْ اسْتَوْفِي الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ وَ(لَمْ يَضْمَنْ) لِلْجَانِي مَا زَادَ عَنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سِرَايَةُ قَوَدٍ، وَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَإِنْ ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْجَانِي أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ فَلِلْمُقْتَصِّ دِيَةُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ بَدَلَهُ. وَلَوْ كَانَ اللِّسَانُ ذَا طَرَفَيْنِ فَقَطَعَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْخِلْقَةِ فَكَلِسَانٍ مَشْقُوقٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَامَّ الْخِلْقَةِ وَالْآخَرُ نَاقِصًا؛ فَالتَّامُّ فِيهِ الدِّيَةُ، وَالنَّاقِصُ زَائِدٌ فِيهِ حُكُومَةٌ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ صَغِيرٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِطُفُولِيَّتِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَلِسَانِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ حَدًّا يَتَكَلَّمُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَطَعَ لِسَانَهُ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ إنْ كَانَ لَا ذَوْقَ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ. وَإِنْ كَبِرَ بَعْدَ قَطْعِ لِسَانِهِ فَنَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ؛ وَجَبَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَاطِقًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ؛ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. (وَمَنْ ذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ) بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَاللِّسَانُ بَاقٍ) فَدِيَتَانِ (أَوْ كُسِرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَدِيَتَانِ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، فَضُمِنَتْ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ. (وَإِنْ ذَهَبَ) بِكَسْرِ صُلْبِهِ (مَاؤُهُ) فَالدِّيَةُ، أَوْ ذَهَبَ بِكَسْرِ صُلْبِهِ (إحْبَالُهُ) بِأَنْ صَارَ مَنِيُّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْهُ (فَالدِّيَةُ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرَّوْضَة: إنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ الدِّيَةُ. (وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ) كَمَا لَوْ شَجَّهُ فَذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ؛ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعَقْلِ وَأَرْشُ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي نَقْصٍ فِي بَصَرٍ وَسَمْعٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَهُ حُكُومَةٌ، وَإِنْ ادَّعَى نَقْصَ إحْدَى عَيْنَيْهِ عُصِبَتْ الَّتِي ادَّعَى نَقْصَ ضَوْئِهَا، وَأُطْلِقَتْ الصَّحِيحَةُ الْأُخْرَى، وَنُصِبَ لَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ الْمَوْضِعُ، ثُمَّ تُشَدُّ الصَّحِيحَةُ، وَتُطْلَقُ الْأُخْرَى، وَيُنْصَبُ لَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَذْهَبَ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ ثُمَّ يُدَارُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَيُصْنَعُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُعْلَمُ عَنْهُ الْمَسَافَتَيْنِ، وَيُذَرَّعَانِ، وَيُقَابَلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَتَا فَقَدْ صَدَقَ، وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْعَلِيلَةِ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ اخْتَلَقَتْ الْمَسَافَتَانِ، فَقَدْ كَذَبَ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ. وَإِنْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَكَبِرَتَا أَوْ احْتَوَلَتَا أَوْ عَمِشَتَا وَنَحْوَهُ؛ فَحُكُومَةٌ كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَاعْوَجَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهِ شَرْعًا، وَالْحُكُومَةُ أَرْشُ مَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ) مِنْهُ (كُلٌّ مِنْ جَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ)؛ لِاتِّفَاقِ الْجَانِيَيْنِ عَلَى الْإِتْلَافِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَعْلَمُ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَغَيْرُهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ وَلَيْسَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا وَلَا مُنْكِرًا؛ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (فِي ذَهَابِ بَصَرِ) مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ جَانٍ (أُرِيَ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ (أَهْلَ الْخِبْرَةِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ (وَامْتُحِنَ بِتَقْرِيبِ شَيْءٍ إلَى عَيْنَيْهِ وَقْتَ غَفْلَتِهِ)، فَإِنْ حَرَّكَهُمَا فَهُوَ يُبْصِرُ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْآدَمِيِّ الْحَذَرُ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ بَقِيَتَا عَلَى حَالِهِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ وَجَانٍ (فِي ذَهَابِ سَمْعٍ وَشَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ صِيحَ بِهِ)؛ أَيْ: بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعِهِ (وَقْتَ غَفْلَتِهِ، وَأُتْبِعَ بِمُنْتِنٍ) إنْ اخْتَلَفَا فِي شَمِّهِ (وَأُطْعِمَ) الشَّيْءَ (الْمُرَّ) إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ ذَوْقِهِ (فَإِنْ فَزِعَ مِنْ الصَّائِحِ أَوْ مِنْ مُقَرَّبٍ لِعَيْنِهِ وَعَبَسَ لِمُنْتِنٍ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ) لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ (وَإِلَّا) يَفْزَعْ مِنْ صَائِحٍ وَلَا مُقَرَّبٍ لَعَيْنِهِ وَلَا عَبَسَ لِمُنْتِنٍ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ دَعْوَاهُ. وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَ سَمْعِ إحْدَى أُذُنَيْهِ فَاخْتِيَارُهُ بِأَنْ تُشَدَّ الْأُذُنُ الْعَلِيلَةُ وَتُطْلَقَ الصَّحِيحَةُ، وَيَصِيحَ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُهُ وَيُعْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَقْصِ الْبَصَرِ فِي إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَيَأْخُذُ مِنْ دِيَةِ سَمْعِ الْأُذُنِ بِقَدْرِ نَقْصِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ. وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَ السَّمْعِ فِي أُذُنَيْهِ، حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الْعَرْضُ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، بِخِلَافِ الْبَصَرِ، وَوَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ. (وَيَرُدُّ الدِّيَةَ آخِذٌ لَهَا عُلِمَ كَذِبُهُ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ قَبْضَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ.
تَتِمَّةٌ:
الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِيمَا تُوجِبُهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، لَكِنَّ الْمُكَلَّفَ خَصْمٌ لِنَفْسِهِ، وَالْخَصْمُ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمَا كَالْأَمْوَالِ، فَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا لَمْ يَحْلِفَا؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا، وَلَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فِيهَا، فَإِذَا كُلِّفَا حَلَفَا.
قَالَ فِي شَرَحَ الْإِقْنَاعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ الدَّعْوَى؛ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُولَاةِ. فَصْلٌ: (وَفِي كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ) كَامِلَةً (وَلَا قِصَاصَ فِيهَا)؛ أَيْ: الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ)، (وَهِيَ شَعْرُ رَأْسٍ وَ) شَعْرُ (لِحْيَةٍ وَحَاجِبَيْنِ وَ) شَعْرُ (أَهْدَابِ عَيْنَيْنِ وَلَوْ لِأَعْمَى) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ؛ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ كَأُذُنَيْ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ، بِخِلَافِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَيْسَ جَمَالُهَا كَامِلًا (وَفِي حَاجِبٍ نِصْفُ) دِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ شَيْئَيْنِ (وَفِي هُدْبٍ رُبُعُ) دِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ أَرْبَعَةً (وَفِي بَعْضِ كُلٍّ) مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ الْمِسَاحَةِ كَالْأُذُنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الشُّعُورُ كَثِيفَةً أَوْ خَفِيفَةً، جَمِيلَةً أَوْ قَبِيحَةً، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ كَسَائِرِ مَا فِيهِ دِيَةٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ، (وَفِي) شَعْرِ (شَارِبٍ حُكُومَةٌ) نَصًّا (وَمَا عَادَ) مِنْ شَعْرٍ (سَقَطَ مَا فِيهِ) مِنْ دِيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ حُكُومَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سِنَّهِ وَنَحْوِهَا إذَا عَادَ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَخْذِ مَا فِيهِ رَدَّهُ، وَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ انْتَظَرَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. وَإِنْ أَزَالَ إنْسَانٌ مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَرَكَ مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَا لَا جَمَالَ فِيهِ)؛ أَيْ: الْمَتْرُوكِ، فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ كَامِلَةٌ)؛ لِإِذْهَابِهِ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كُلِّهِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ بِجِنَايَتِهِ لِإِذْهَابِ الْبَاقِي لِزِيَادَةٍ فِي الْقُبْحِ. (وَإِنْ قَطَعَ جَفْنًا بِهُدْبِهِ؛ فَدِيَتُهُ فَقَطْ)؛ لِتَبَعِيَّةِ الشَّعْرِ لَهُ فِي الزَّوَالِ كَالْأَصَابِعِ مَعَ الْكَفِّ. (وَإِنْ قَلَعَ اللَّحْيَيْنِ بِأَسْنَانِهِمَا) فَعَلَيْهِ (دِيَةُ الْكُلِّ) مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْيَيْنِ، بَلْ مَغْرُوزَةٌ فِيهِمَا، وَكُلٌّ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَاللَّحْيَانِ يُوجَدَانِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ قَلْعِهَا، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ. (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ دِيَةِ يَدٍ)؛ لِدُخُولِ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى الْيَدِ كَقَطْعِ ذَكَرٍ بِحَشَفَةٍ (وَإِنْ كَانَ بِهِ)؛ أَيْ: الْكَفِّ (بَعْضُهَا)؛ أَيْ: الْأَصَابِعِ (دَخَلَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مَا حَاذَاهَا) مِنْ الْكَفِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلُّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلُّهُ فِي دِيَتِهَا (وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي (أَرْشُ بَقِيَّةِ الْكَفِّ) الَّتِي لَمْ تُحَاذِ الْأَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ، فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً. (وَفِي ذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ) ثُلُثُ دِيَتِهِ (وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ) ثُلُثُ دِيَتِهِ (وَفِي عَضُدٍ بِلَا ذِرَاعٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ)؛ أَيْ: الْكَفِّ بِمَعْنَى الْيَدِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ: وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ (بِلَا حُكُومَةٍ خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ، وَذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ، وَعَضُدٍ بِلَا ذِرَاعٍ حُكُومَةٌ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَةٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُهَا (وَكَذَا تَفْصِيلُ رِجْلٍ) وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً قَالَهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ. (وَفِي عَيْنِ أَعْوَرَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْبَصَرَ كُلَّهُ؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيعُ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَهُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْأَعْوَرِ مَا يَحْصُلُ بِعَيْنِ الصَّحِيحِ؛ لِرُؤْيَتِهِ الْأَشْيَاءَ الْبَعِيدَةَ؛ وَإِدْرَاكِهِ (الْأَشْيَاءَ) اللَّطِيفَةَ، وَعَمَلُهُ عَمَلُ الْبَصَرِ. (وَإِنْ قَلَعَهَا)؛ أَيْ: عَيْنَ الْأَعْوَرِ (صَحِيحٌ) الْعَيْنَيْنِ (أُقِيدَ)؛ أَيْ: قُلِعَتْ عَيْنُهُ (بِشَرْطِهِ) السَّابِقِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ الصَّحِيحِ (مَعَهُ)؛ أَيْ: الْقَوَدِ فِي نَظِيرَتِهَا (نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بَصَرَ الْأَعْوَرِ كُلَّهُ، وَلَا يُمْكِنُ إذْهَابُ بَصَرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الْبَصَرِ تَبَعًا لِعَيْنِهِ بِالْقَوَدِ، وَبَقِيَ النِّصْفُ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْقِصَاصُ فِيهِ؛ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ. (وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ)؛ أَيْ: عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ (مِنْ صَحِيحِ) الْعَيْنَيْنِ (عَمْدًا) فَعَلَى الْأَعْوَرِ (دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا قَوَدَ) عَلَيْهِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُفْضِي إلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْبَصَرِ وَهُوَ إنَّمَا أَذْهَبَ بَعْضَ الْبَصَرِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ مَجَّانًا، وَكَانَتْ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْقِصَاصِ السَّاقِطِ عَنْهُ رِفْقًا بِهِ، وَلَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ذَهَبَ مَا لَوْ ذَهَبَ الْجِنَايَةُ، لَوَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
(وَ) إنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ (خَطَأً فَنِصْفُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ، وَكَذَا لَوْ قَلَعَ مَا لَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ. (وَإِنْ قَلَعَ) الْأَعْوَرُ (عَيْنَيْ صَحِيحٍ؛ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ؛ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ. (وَفِي يَدِ أَقْطَعَ صَحِيحَةٍ أَوْ رِجْلِهِ الصَّحِيحَةِ) إنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْأُخْرَى أَوْ رِجْلَهُ الْأُخْرَى (وَلَوْ عَمْدًا أَوْ مَعَ إذْهَابِ) الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ (الْأُولَى حَالَ كَوْنِ الذَّهَابِ هَدْرًا نِصْفُ دِيَتِهِ)؛ أَيْ: الْأَقْطَعِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ)؛ لِأَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا بِخِلَافِ عَيْنِ الْأَعْوَرِ. (وَلَوْ قَطَعَ) الْأَقْطَعُ (يَدَ صَحِيحٍ) أَوْ رِجْلَهُ (أُقِيدَ بِشَرْطِهِ) السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ أَمْكَنَ الْقَوَدُ فِي مِثْلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصَ.: وَلَا تَجِبُ دِيَةُ جُرْحٍ حَتَّى يَنْدَمِلَ، وَلَا دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ مِنْ بَصَرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ فِي مُدَّةٍ تَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ مَاتَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الْقَوَدِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ سِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدَةٍ بِمَوْتِهِ، وَلَهُ الْعَوْدُ فِي غَيْرِ السِّنِّ وَالظُّفْرِ مِنْ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِعُودِهِ، لَكِنْ لَا يُقْتَصُّ إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَقَتْلٌ هُوَ أَمْ لَيْسَ بِقَتْلٍ؟ فَيُنْتَظَرُ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ وَمَا الْوَاجِبُ فِيهِ، وَلِذَا لَمْ تَجِبْ دِيَتُهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ. الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ الْمُوضِحَةُ فَمَا فَوْقَهَا كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِيهَا ذَلِكَ الْأَرْشَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَالِ كَسْرٍ دُونَ حَالٍ، فَوَجَبَ بِكُلِّ حَالٍ.

.بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ:

أَيْ: بَيَانُ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّجُّ: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ شَجَجْتُ الْمَفَازَةَ؛ أَيْ: قَطَعْتُهَا (الشَّجَّةُ) وَاحِدَةُ الشِّجَاجِ (جُرْحُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِقَطْعِهَا الْجِلْدَ، وَفِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً (وَهِيَ)؛ أَيْ: الشَّجَّةُ بِاعْتِبَارِ أَسْمَائِهَا الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْعَرَبِ (عَشْرٌ) مُرَتَّبَةٌ (خَمْسٌ) مِنْهَا (فِيهَا حُكُومَةٌ). أَحَدُهَا (الْحَارِصَةُ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ؛ أَيْ: تَشُقُّهُ وَلَا تُدْمِيهِ)؛ أَيْ: تُسِيلُ دَمَهُ. وَالْحِرْصُ: الشَّقُّ، وَمِنْهُ حَرْصُ انْقِصَارُ الثَّوْبِ إذَا شَقَّهُ قَلِيلًا، وَيُقَالُ لِبَاطِنِ الْجِلْدِ الْحَرَصَاتُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُصُولِ الشَّقِّ إلَيْهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْقَاشِرَةُ وَالْقِشْرَةُ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَة تَبَعًا لِلْقَاضِي: وَتُسَمَّى الْمَلْطَاءُ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْبَازِلَةُ الدَّامِيَةُ وَالدَّامِعَةُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي (تُدْمِيهِ)؛ أَيْ: الْجِلْدَ، يُقَالُ: بَزَلَ الشَّيْءُ إذَا سَالَ، وَسُمِّيَتْ دَامِعَةً، لِقِلَّةِ سَيْلَانِ الدَّمِ مِنْهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِخُرُوجِ الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْبَاضِعَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ)؛ أَيْ: تَشُقُّهُ بَعْدَ الْجِلْدِ وَمِنْهُ الْبَضْعُ (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمُتَلَاحِمَةُ) وَهِيَ (الْغَائِصَةُ فِيهِ)؛ أَيْ: اللَّحْمِ مُشْتَقَّةً مِنْ اللَّحْمِ لِغَوْصِهَا فِيهِ (ثُمَّ) يَلِيهَا (السِّمْحَاقُ) وَهِيَ (الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ) رَقِيقَةٌ مُشْتَقَّةٌ تُسَمَّى السِّمْحَاقُ، سُمِّيَتْ؛ لِجِرَاحَةِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهَا بِهَا. فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ»
(وَخَمْسٌ) مِنْ الشِّجَاجِ (فِيهَا مُقَدَّرٌ) أَوَّلُهَا (الْمُوضِحَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ)؛ أَيْ: تُبْرِزُهُ؛ أَيْ: تَصِلُ إلَيْهِ وَلَوْ بِقَدْرِ (رَأْسِ إبْرَةٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ وُضُوحُهُ لِلنَّاظِرِ، فَلَوْ أَوْضَحَهُ بِرَأْسِ مِسَلَّةٍ أَوْ إبْرَةٍ وَعُرِفَ وُصُولُهَا إلَى الْعَظْمِ كَانَتْ مُوضِحَةً، وَالْوَاضِحُ الْبَيَاضُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَبْدَتْ بَيَاضَ الْعَظْمِ (وَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ: دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (فَمِنْ حُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ)؛ لِمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ (وَإِنْ) لَمْ تَعُمَّهُ بَلْ (كَانَ بَعْضُهَا بِوَجْهٍ وَ) بَعْضُهَا (بِرَأْسٍ فَمُوضِحَتَانِ)؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ؛ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ، وَنَزَلَ إلَى الْقَفَا (وَإِنْ أَوْضَحَهُ ثِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ) فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ (عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ فَإِنْ ذَهَبَ) الْحَاجِزُ (بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ سِرَايَةٍ، صَارَا)؛ أَيْ: الْجُرْحَانِ مُوضِحَةً (وَاحِدَةً) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ بِلَا حَاجِزٍ، وَإِنْ انْدَمَلَتَا، ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا؛ لِاسْتِقْرَارِ أَرْشِ الْأَوَّلَتَيْنِ عَلَيْهِ بِانْدِمَالِهِمَا، ثُمَّ لَزِمَهُ أَرْشُ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ انْدَمَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ بِسِرَايَةِ الْآخَرِ فَمُوضِحَتَانِ. (وَإِنْ خَرَقَهُ)؛ أَيْ: الْحَاجِزَ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ (مَجْرُوحٌ) فَعَلَى جَانٍ مُوضِحَتَانِ (أَوْ) خَرَقَهُ (أَجْنَبِيٌّ)؛ أَيْ غَيْرُ الشَّاجِّ وَالْمَجْرُوحِ؛ فَلِلْمَشْجُوجِ أَرْشُ (ثَلَاثِ) مَوَاضِحَ (عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا ثِنْتَانِ) وَعَلَى الْآخَرِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، فَانْفِرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَتَيْنِ بِخِرَقِ الْمَشْجُوجِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. (وَيُصَدَّقُ مَجْرُوحٌ بِيَمِينِهِ فِيمَنْ خَرَقَهُ عَلَى الْجَانِي) الْأَوَّلِ، فَلَوْ قَالَ الْجَانِي: خَرَقْت مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً. وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ خَرَقَهُ غَيْرُك فَعَلَيْك الْمُوضِحَتَانِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ لُزُومِ الْمُوضِحَتَيْنِ، وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَ(لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَجْنَبِيِّ) الْمُنْكِرِ إزَالَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَمِثْلُهُ)؛ أَيْ: الْجَانِي مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ إذَا خُرِقَ مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً (مَنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ) بَعِيرًا إنْ لَمْ يَقْطَعْ غَيْرَهَا (فَلَوْ قَطَعَ) الْجَانِي أُصْبُعًا (رَابِعَةً قَبْلَ بُرْءِ) الثَّلَاثِ (رُدَّتْ) الْمَرْأَةُ (إلَى عِشْرِينَ)؛ بَعِيرًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الذَّكَرَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَعَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي الثُّلُثِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا)؛ أَيْ: قَاطِعُ أَصَابِعَهَا وَهِيَ (فِي قَاطِعِهِمَا)؛ أَيْ: الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: أَنَا قَطَعْتُهَا فَلَا يَلْزَمُنِي إلَّا عِشْرُونَ بَعِيرًا. وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ قَطَعَهَا غَيْرُك فَيَلْزَمُك ثَلَاثُونَ (صُدِّقَتْ) يَمِينُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي زَوَالَ مَا وُجِدَ مِنْ سَبَبِ أَرْشِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (وَإِنْ خَرَقَ جَانٍ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ بَاطِنًا) فَقَطْ (أَوْ) بَاطِنًا (مَعَ ظَاهِرٍ فَ) قَدْ صَارَتَا (وَاحِدَةً)؛ لِاتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا (وَ) إنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا (ظَاهِرًا فَقَطْ) فَهُمَا (ثِنْتَانِ؛) لِعَدَمِ اتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا. (ثُمَّ) يَلِي الْمُوضِحَةَ (الْهَاشِمَةُ) وَهِيَ (الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ)؛ أَيْ: تُبْرِزُهُ (وَتُهَشِّمُهُ)؛ أَيْ: تَكْسِرُهُ (وَفِيهَا عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ) رُوِيَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ تَوْقِيفٌ، فَإِنْ هَشَمَهُ هَاشِمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَفِيهِمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا فَإِنْ زَالَ الْحَاجِزُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَالْهَاشِمَةُ الصَّغِيرَةُ كَالْكَبِيرَةِ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تُوضِحُ) الْعَظْمَ (وَتَهْشِمُ) الْعَظْمَ (وَتَنْقُلُ الْعَظْمَ وَفِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( «وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ») فَإِنْ كَانَتَا مُنَقِّلَتَيْنِ فَعَلَى مَا سَبَقَ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الْمَأْمُومَةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ وَتُسَمَّى الْآمَّةَ) بِالْمَدِّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا الْآمَّةُ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ الْمَأْمُومَةُ: الشَّجَّةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى (أُمِّ الدِّمَاغِ) وَأُمِّ الدِّمَاغِ هِيَ جَلْدَةٌ فِيهَا الدِّمَاغُ.
قَالَ النَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: أُمُّ الرَّأْسِ الْخَرِيطَةُ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُطُ الدِّمَاغَ وَتَجْمَعُهُ. (ثُمَّ) يَلِيهَا (الدَّامِغَةُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ (الَّتِي تَخْرِقُ الْجَلْدَةَ)؛ أَيْ: جَلْدَةَ الدِّمَاغِ (وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: الْمَأْمُومَةِ وَالدَّامِغَةِ (ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا: ( «وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ») وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَالدَّامِغَةُ أَوْلَى، وَصَاحِبُهَا لَا يَسْلَمُ غَالِبًا. (وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ) وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا (أَوْ) بَعْضُهَا (مُوضِحَةٌ وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا فَ) عَلَيْهِ (دِيَةُ هَاشِمَةٍ) فَقَطْ؛ إنْ كَانَ بَعْضُهَا هَاشِمَةً، (أَوْ دِيَةُ مُوضِحَةٍ فَقَطْ) إنْ كَانَ بَعْضُهَا مُوضِحَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَشَمَهُ كُلَّهُ أَوْ أَوْضَحَهُ كُلَّهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ فَوْقَ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ أَوْ الْمُوضِحَةِ. (وَإِنْ أَوْضَحَهُ جَانٍ، ثُمَّ هَشَمَهُ ثَانٍ، ثُمَّ جَعَلَهَا ثَالِثٌ مُنَقِّلَةً، ثُمَّ) جَعَلَهَا (رَابِعٌ مَأْمُومَةً أَوْ دَامِغَةً، فَعَلَى الرَّابِعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ بَعِيرٍ)؛ لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ أَوْ الدَّامِغَةِ (وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسٌ) مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْنَ الشَّجَّتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ هَشَمَهُ بِمُثْقَلٍ وَلَمْ يُوضِحْهُ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَوَصَلَ) الطَّعْنُ (إلَى فَمِهِ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ نَفَذَ) جَانٍ بِخَرْزَةٍ (أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا) فَحُكُومَةٌ (أَوْ) نَفَذَ (جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ أَدْخَلَ) غَيْرُ زَوْجٍ (أُصْبُعَهُ فَرْجَ بِكْرٍ) فَحُكُومَةٌ (أَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ دَاخِلَ عَظْمٍ فَخَذَفَ) عَلَيْهِ (حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ. فَصْلٌ: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَةٍ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ»؛ وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْجَائِفَةُ (مَا تَصِلُ بَاطِنَ جَوْفٍ)؛ أَيْ: مَا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ لِلرَّأْيِ؛ (كـَ) دَاخِلِ (بَطْنٍ، وَلَوْ لَمْ تُخْرَقْ بِهِ أَمْعَاءٌ) دَاخِلَ (ظَهْرٍ وَصَدْرٍ وَحَلْقٍ وَمَثَانَةٍ وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ وَ) دَاخِلَ (دُبُرٍ وَإِنْ جَرَحَ جَانِبًا فَخَرَجَ) مَا جَرَحَهُ بِهِ (مِنْ) جَانِبٍ (آخَرَ فَجَائِفَتَانِ) نَصًّا؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ فِي الْجَوْفِ بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعٍ بِضَرْبَتَيْنِ. وَلَوْ أَدْخَلَ شَخْصٌ يَدَهُ فِي جَائِفَةِ إنْسَانٍ، فَحَزَقَ بَطْنَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لَزِمَهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ. (وَإِنْ جَرَحَ وِرْكَهُ، فَوَصَلَ) الْجُرْحُ (جَوْفَهُ أَوْ أَوْضَحَهُ) فِي رَأْسِهِ (فَوَصَلَ) الْإِيضَاحُ (قَفَاهُ) فَعَلَى مَنْ جَرَحَ الْوِرْكَ فَوَصَلَ الْجَوْفَ (مَعَ دِيَةِ جَائِفَةٍ) حُكُومَةٌ (أَوْ)؛ أَيْ: وَعَلَى مَنْ أَوْضَحَ شَخْصًا فَوَصَلَ قَفَاهُ مَعَ دِيَةِ (مُوضِحَةٍ حُكُومَةٌ بِجُرْحِ قَفَاهُ أَوْ) جُرْحِ (وِرْكِهِ)؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَائِفَةِ، فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُوضِحَةِ فَانْفَرَدَ بِالضَّمَانِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَائِفَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ. (وَمَنْ وَسَّعَ فَقَطْ جَائِفَةً) أَجَافَهَا غَيْرُهُ (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَوْ انْفَرَدَ فَهُوَ جَائِفَةٌ؛ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ. (أَوْ فَتَقَ جَائِفَةً مُنْدَمِلَةً) أَوْ فَتَقَ (مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا) (فـَ) عَلَيْهِ (جَائِفَةٌ) فِي الْأُولَى (وَمُوضِحَةٌ) فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا الْتَحَمَ صَارَ كَالصَّحِيحِ؛ لِعَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَهُ جِنَايَةٌ أُخْرَى مُتَجَدِّدَةٌ (وَإِلَّا) يُوَسِّعْ بَاطِنَ الْجَائِفَةِ وَظَاهِرَهَا بَلْ وَسَّعَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، وَلَمْ تَكُنْ الْجَائِفَةُ مُنْدَمِلَةً أَوْ الْمُوضِحَةُ نَبَتَ شَعْرُهَا فَفَتَقَهَا (فـَ) عَلَيْهِ (حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ جَائِفَةً، وَلَا مُوضِحَةً، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْخَيْطِ. وَإِنْ وَسَّعَ طَبِيبٌ جَائِفَةً بِإِذْنِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مُكَلَّفٍ، أَوْ أَذِنَ وَلِيُّ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ وَطِئَ زَوْجَةً صَغِيرَةً) لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا (أَوْ) وَطِئَ زَوْجَةً (نَحِيفَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَخَرَقَ) بِوَطْئِهِ (مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَ) مَخْرَجِ (مَنِيٍّ، أَوْ) خُرِقَ بِوَطْئِهِ (مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَ) عَلَيْهِ (الدِّيَةُ) كَامِلَةً (إنْ لَمْ يُسْتَمْسَكْ بَوْلٌ)؛ لِإِبْطَالِهِ نَفْعَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَخْصٍ فَصَارَ لَا يَسْتَمْسِكُ الْغَائِطَ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ الْبَوْلَ (فـَ) عَلَيْهِ أَرْشُ (جَائِفَةٍ) ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ: فِي الْإِفْضَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ: وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ، أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (أَجْنَبِيَّةً)؛ أَيْ: غَيْرَ زَوْجَةِ (وَاطِئٍ كَبِيرَةً حُرَّةً مُطَاوِعَةً، وَلَا شُبْهَةَ) لِوَاطِئٍ فِي وَطْئِهَا (فَوَقَعَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: خَرَقَ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ؛ فَهُوَ هَدْرٌ؛ لِحُصُولِهِ مِنْ فِعْلِ مَأْذُونٍ فِيهِ كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا (وَكَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا فَسَرَى إلَى نَفْسِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَتْ فِي وَطْئِهَا) فَقَطَعَ يَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَا مِنْ ضَرُورَتِهِ (وَلَهَا)؛ أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ (مَعَ شُبْهَةٍ أَوْ مَعَ إكْرَاهٍ الْمَهْرُ)؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، (وَ) لَهَا (الدِّيَةُ) كَامِلَةً (إنْ لَمْ يُسْتَمْسَكْ بَوْلٌ)؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَذِنَتْ فِي الْفِعْلِ مَعَ الشُّبْهَةِ؛ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ الضَّمَانُ كَمَنْ أَذِنَ فِي قَبْضِ دَيْنٍ ظَانًّا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَبَانَ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ فَلِأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ بَوْلٌ مَعَ خَرْقِهِ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ مَعَ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ؛ (فـَ) عَلَيْهِ مَعَ الْمِثْلِ (ثُلُثُهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ كَجِنَايَةِ جَائِفَةٍ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ)؛ أَيْ: حُكُومَةٌ (مَعَ فَتْقٍ بِغَيْرِ وَطْءٍ)؛ لِعُدْوَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. (وَإِنْ الْتَحَمَ مَا)؛ أَيْ: جُرْحٌ (أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ) كَجَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ وَمَا فَوْقَهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ (لَمْ يَسْقُطْ) أَرْشُهُ؛ لِعَدَمِ النُّصُوصِ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَخَالَفَ فِي الْإِقْنَاعِ هُنَا، فَجَعَلَهَا حُكُومَةً، وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ قَبْلَ بَابِ الشِّجَاجِ فَقَالَ: وَلَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ وَالْمُوضِحَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ الْتَزَمَهُ. فَصْلٌ: (وَفِي كَسْرِ ضِلْعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا (جُبِرَ مُسْتَقِيمًا) كَمَا كَانَ بِأَنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ (بَعِيرٌ، وَكَذَا)؛ أَيْ: كَالضِّلْعِ إذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا (تَرْقُوَةٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ أُجْبِرَتْ، كَمَا كَانَتْ فَفِيهَا بَعِيرٌ نَصًّا، فَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرٌ، أَيْ: لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فِي الضِّلْعِ جَمَلٌ، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَالتَّرْقُوَةُ: الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْفَتْقِ مِنْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ إلَى الْكَتِفِ لِكُلِّ إنْسَانٍ تَرْقُوَتَانِ (وَإِلَّا) يُجْبَرْ الضِّلْعُ وَالتَّرْقُوَةُ مُسْتَقِيمَيْنِ (فـَ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (حُكُومَةٌ) وَتَأْتِي. (وَفِي كَسْرِ كُلِّ) عَظْمٍ (مِنْ زَنْدٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ (وَ) مِنْ (عَضُدٍ وَفَخِذٍ وَسَاقٍ وَذِرَاعٍ جُبِرَ مُسْتَقِيمًا وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لِعَظْمِ الزَّنْدِ) بَعِيرَانِ نَصًّا، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ: فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إذَا كُسِرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ، وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأُلْحِقَ بِالزَّنْدِ فِي ذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُهُ (وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ مِنْ جُرْحٍ وَ) مِنْ (كَسْرِ عَظْمٍ كَ) كَسْرِ (خَرَزَةٍ صُلْبٍ وَ) كَسْرِ (عُصْعُصٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ الثَّانِيَةُ؛ أَيْ: عُجْبُ ذَنَبٍ (وَ) كَسْرِ (عَانَةٍ حُكُومَةٌ)؛ لِأَنَّهَا لَا مُقَدَّرَ فِيهَا (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْحُكُومَةُ (أَنْ يُقَوَّمَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِنٌّ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ) يُقَوَّمَ (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْجِنَايَةُ (بِهِ قَدْ بَرِئَتْ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ) بِالْجِنَايَةِ (فَلَهُ)؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى جَانٍ (كَنِسْبَتِهِ)؛ أَيْ: نَقْصِ الْقِيمَةِ (مِنْ الدِّيَةِ) فَيَجِبُ (فِيمَنْ قُوِّمَ) لَوْ كَانَ قِنًّا (صَحِيحًا بِعِشْرِينَ وَ) قُوِّمَ لَوْ كَانَ (مَجْنِيًّا عَلَيْهِ) تِلْكَ الْجِنَايَةَ (بِتِسْعَةَ عَشَرَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَلَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِسِتِّينَ، ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ بِخَمْسِينَ، فَفِيهِ سُدُسُ دِيَتِهِ؛ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ سُدُسَ قِيمَتِهِ. (وَلَا يُبْلَغُ بِحُكُومَةِ) جِنَايَةٍ فِي (مَحَلٍّ لَهُ)؛ أَيْ: فِيهِ (مُقَدَّرٌ) شَرْعًا (مُقَدَّرَةً)؛ أَيْ: مَا قُدِّرَ فِيهِ (فَلَا يُبْلَغُ بِهَا)؛ أَيْ: الْحُكُومَةِ (أَرْشَ مُوضِحَةٍ فِي شَجَّةٍ دُونَهَا) كَالسِّمْحَاقِ (وَلَا) يُبْلَغُ بِحُكُومَةٍ (دِيَةَ أُصْبُعٍ أَوْ) دِيَةَ (أُنْمُلَةٍ فِيمَا دُونَهُمَا)؛ أَيْ: الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ. وَلَا يُقَوَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِيَسْتَقِرَّ الْأَرْشُ؛ (فَلَوْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ) حَالَ بُرْءٍ؛ (قُوِّمَ حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ)؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ عَلَى مَعْصُومٍ هَدْرًا (فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ) الْجِنَايَةُ (أَيْضًا)؛ أَيْ: حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ (أَوْ زَادَتْهُ) الْجِنَايَةُ (حُسْنًا)؛ لِقَطْعِ سَلْعَةٍ أَوْ ثُؤْلُولٍ (فَلَا شَيْءَ فِيهِمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ بِهَا.

.بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ:

(وَهِيَ) أَيْ: الْعَاقِلَةُ (مَنْ غَرِمَ ثُلُثَ دِيَةِ ذَكَرٍ مُسْلِمٍ فَأَكْثَرَ) مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ (بِسَبَبِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: الْغَارِمِ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ، يُقَالُ: عَقَلْتُ فُلَانًا إذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ، وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانٍ إذَا غَرِمْت عَنْهُ دِيَةَ جِنَايَةٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقِيلَ مِنْ الْعَقْلِ؛ أَيْ: الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَلَمَّا عَرَّفَ الْعَاقِلَةَ بِالْحُكْمِ الْمُنْتَقَدِ بِالدَّوْرِ؛ احْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ فَقَالَ: (وَعَاقِلَةُ جَانٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (ذُكُورُ عَصَبَتِهِ نَسَبًا) كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَالْأَعْمَامُ كَذَلِكَ (وَوَلَاءً) كَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ، قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ، حَاضِرِهِمْ وَغَائِبِهِمْ، صَحِيحِهِمْ وَمَرِيضِهِمْ، وَلَوْ هَرَمًا وَزَمِنًا وَأَعْمَى (لَكِنْ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقَةٍ عَصَبَتُهَا الذُّكُورُ) وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ؛ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مِيرَاثَهَا لَبِنْتَيْهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا، وَلَا يَرِثُونَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. (وَيَعْقِلُ عَمُودُ نَسَبِهِ) آبَاؤُهُ وَإِنْ عَلَوْا بِمَحْضِ الذُّكُورِ، وَأَبْنَاؤُهُ وَإِنْ نَزَلُوا بِمَحْضِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ، فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ (وَ) يَعْقِلُ عَنْهُ الْجَانِي (مَنْ بَعُدَ) مِنْ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ كَابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّ جَدِّهِ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَاقِلَةِ كَوْنُهُمْ وَارِثِينَ حَالَ الْعَقْلِ بَلْ مَتَى كَانُوا يَرِثُونَ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ، يُحَقِّقُهُ: أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَاسْتَوَى قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ فِي الْعَقْلِ، وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُهُ: «لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ»؛ أَيْ: إثْمُ جِنَايَتِك لَا يَتَخَطَّاك إلَيْهِ، وَإِثْمُ جِنَايَتِهِ لَا يَتَخَطَّاهُ إلَيْك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَلَيْسَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الزَّوْجُ وَلَا الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ وَهُوَ الْعَتِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَلَا مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُوَالِي رَجُلًا يَجْعَلُ لَهُ وَلَاءَهُ وَنُصْرَتَهُ؛ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا الْحَلِيفُ الَّذِي يُحَالِفُ آخَرَ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَلَا الْعَدِيدُ وَهُوَ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ يَنْضَمُّ إلَى عَشِيرَةٍ فَيُعَدُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَوْ عُرِفَ نَسَبُهُ)؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيْ بُطُونِهَا) هُوَ (لَمْ يَعْقِلُوا)؛ أَيْ: رِجَالُ الْقَبِيلَةِ (عَنْهُ) فَلَوْ قَتَلَ قُرَشِيٌّ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِ قُرَيْشٍ لَمْ تَعْقِلْ قُرَيْشٌ عَنْهُ، كَمَا لَا يَرِثُونَهُ؛ لِتَفَرُّقِهِمْ وَصَيْرُورَةِ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى أَبٍ أَدْنَى يَتَمَيَّزُونَ بِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِأَهْلِ الدِّيوَانِ فِي الْمُعَاقَلَةِ، فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ دِيوَانٍ لَهُمْ لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ كَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ. (وَيَعْقِلُ) عَصَبَةُ (هَرِمٍ) غَنِيٍّ (وَزَمِنٍ) غَنِيٍّ (وَأَعْمَى) غَنِيٍّ (وَغَائِبٍ) غَنِيٍّ (كَضِدِّهِمْ)؛ أَيْ: كَشَابٍّ وَصَحِيحٍ وَبَصِيرٍ وَحَاضِرٍ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ؛ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمُسَاوَاةِ.
وَ(لَا) يَعْقِلُ (فَقِيرٌ وَلَوْ) كَانَ (مُعْتَمِلًا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ كَالزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفٌ عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ (بَلْ) يَعْقِلُ (الْمُوسِرُ وَهُوَ هُنَا مَنْ مَلَكَ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ حَوْلٍ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ) (وَلَا) يَعْقِلُ (صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ (أَوْ امْرَأَةٌ) وَلَوْ مُعْتَقَةً (أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ)؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً (أَوْ قِنٌّ)؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (أَوْ مُبَايِنٌ لِدِينِ جَانٍ)؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا لِلنُّصْرَةِ، وَلَا نُصْرَةَ لِمُخَالِفٍ فِي دِينِهِ (وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ أَوْ ذُو رَحِمٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ. (وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ)؛ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمَا (وَيَتَعَاقَلُ أَهْلُ ذِمَّةٍ اتَّحَدَتْ مِلَلُهُمْ) كَمَا يَتَوَارَثُونَ؛ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ كَالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ؛ فَلَا تَعَاقُلَ كَمَا لَا تَوَارُثَ وَلَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ أَحَدٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فَخَطَؤُهُ فِي مَالِهِ. (وَخَطَأُ إمَامٍ وَ) خَطَأُ (حَاكِمٍ فِي حُكْمِهِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُجْحِفُ بِالْعَاقِلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ نَائِبَانِ عَنْ اللَّهِ، فَيَكُونُ أَرْشُ خَطَئِهِمَا فِي مَالِ اللَّهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَالتَّنْقِيحِ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهْلِ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ حَمْلًا أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ، فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ كَخَطَأِ وَكِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، بَلْ يَضَعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ كَخَطَأِ وَكِيلٍ يَتَصَرَّفُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَالْوُزَرَاءِ، فَخَطَؤُهُ فِي حُكْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَخَطَؤُهُمَا)؛ أَيْ: الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ حُكْمٍ) كَرَمْيِهِمَا صَيْدًا فَيُصِيبَا آدَمِيًّا (عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) كَخَطَأِ غَيْرِهِمَا. (وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ كَلَقِيطٍ أَوْ لَهُ) عَاقِلَةٌ (وَعَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ خَطَأً (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً أَوْ كَانَتْ وَعَجَزَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا (أَوْ تَتِمَّتِهِ) إنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضِهِ وَقَدَرَتْ عَلَى الْبَعْضِ (مَعَ كُفْرِ جَانٍ عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ حَالًّا (وَمَعَ إسْلَامِهِ)؛ أَيْ: الْجَانِي؛ الْوَاجِبُ أَوْ تَتِمَّتُهُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا)؛ «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَدَى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ»، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمَ عَاقِلَتِهِ. (وَتَسْقُطُ) الدِّيَةُ (بِتَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عَنْدَ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِه: هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْقَاتِلُ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ الدِّيَةُ بِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَ (لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْضًا؛ لِعَجْزِهَا عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الدِّيَةِ؛ وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْفُرُوع. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا (لَوْ أَيْسَرَتْ) الْعَاقِلَةُ (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: بَعْدَ عَجْزِهَا؛ وَسُقُوطِ الدِّيَةِ عَنْهَا بِالْعَجْزِ (أُخِذَتْ) الدِّيَةُ (مِنْهَا) كَامِلَةً لِئَلَّا يَضِيعَ دَمُ الْمُسْلِمِ هَدْرًا، وَهَذَا (مُتَّجِهٌ). وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ (وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ عَلَى جَانٍ وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ) فِي رِوَايَةٍ. قَالَ: فِي الْمُقْنِعِ: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ؛ فَإِنَّهُ لَا تَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَخْذِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا وَعَجَزَ، هَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ (وَمَنْ تَغَيَّرَ دِينُهُ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) عَنْ مَوَالِي أُمِّهِ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (وَقَدْ رَمَى) صَيْدًا (ثُمَّ أَصَابَ) آدَمِيًّا، فَقَتَلَهُ (بَعْدَ تَغْيِيرِ دِينِهِ أَوْ) بَعْدَ (انْجِرَارِ وَلَائِهِ) بِعِتْقِ أَبِيهِ (فَالْوَاجِبُ) مِنْ الدِّيَةِ (فِي مَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، تَعَذَّرَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ؛ فَوَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَلَا يَعْقِلُهُ عَصَبَةُ الْقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ لَا يَعْقِلُهُ مَوَالِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حِينَ كَانَ تَابِعًا لَهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَا مَوْلَى أَبِيهِ؛ لِجِنَايَتِهِ قَبْلَ انْجِرَارِ الْوَلَاءِ إلَيْهِ؛ فَتَعَيَّنَ عَقْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ) بِأَنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ، أَوْ وَهُوَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ (أَوْ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ) لِمُعْتِقِ أَبِيهِ (حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزُهُوقِ) رُوحِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ (حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ)؛ أَيْ: الْجَارِحِ (حَالَ جُرْحٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجُرْحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَخَالَفَ فِي الْإِقْنَاعِ فَجَعَلَ أَرْشَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْجَرَّ الْوَلَاءُ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. فَصْلٌ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا) وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ لَا كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، (وَلَا) تَحْمِلُ (صُلْحَ إنْكَارٍ، وَلَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا بِأَنْ يُقِرَّ) جَانٍ (عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ تُوجِبُ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَتُنْكِرُ الْعَاقِلَةُ، وَلَا تَحْمِلُ قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ قِيمَةَ قِنٍّ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ، وَلَا تَحْمِلُ جِنَايَتَهُ)؛ أَيْ: الْقِنِّ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوَاسَاةَ وَلَا التَّخْفِيفَ؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي مُوَاطَأَةِ الْمُقَرِّ لَهُمْ بِالْقَتْلِ؛ لِيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ، فَيُقَاسِمُهُمْ إيَّاهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَالِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ. (وَلَا) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ (مَا دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ) كَثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ شَيْئًا يَبْلُغُ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ، خُولِفَ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ؛ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ؛ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (إلَّا غُرَّةَ جَنِينٍ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا)؛ أَيْ: أُمِّهِ (بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ) فَتَحْمِلُ الْغُرَّةَ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ نَصًّا؛ لِاتِّحَادِ الْجِنَايَةِ، وَلَا تَحْمِلُ الْغُرَّةَ إنْ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ أُمِّهِ، أَوْ مَاتَ (قَبْلَهَا)؛ أَيْ: أُمِّهِ بِأَنْ أَجْهَضَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَوْ اتَّحَدَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِنَقْصِ مَا وَجَبَ فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغُرَّةِ عَنْ الثُّلُثِ، وَلَا تَبَعِيَّةَ لِمَوْتِهِ قَبْلَهَا. (وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (شِبْهَ عَمْدٍ، وَ) تَحْمِلُ (خَطَأً)؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» وَتَقَدَّمَ. وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا مُؤَجَّلًا مَا وَجَبَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَلَوْ أَنَّ الْمَقْتُولَ امْرَأَةٌ) أَوْ كِتَابِيٌّ يَعْنِي يَجِبُ ثُلُثَاهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَبَاقِيهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَكَوْنُ دِيَةِ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ تُؤْخَذُ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا؛ وَلِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ مُوَاسَاةً، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهُ عَلَيْهَا. (وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِي تَحْمِيلِ) كُلٍّ مِنْ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِهِ كَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ (فَيُحَمِّلُ) الْحَاكِمُ (كُلًّا) مِنْهُمْ (مَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ وَلَا يَشُقُّ)؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْ الْجَانِي مَا يُثَقَّلُ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجْحَافَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ (وَيَبْدَأُ) الْحَاكِمُ (بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَإِرْثٍ، لَكِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْآبَاءِ، ثُمَّ الْأَبْنَاءِ ثُمَّ الْإِخْوَةِ) يُقَدِّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ، ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْأَعْمَامَ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامَ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْمَامَ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ (وَهَكَذَا) أَبَدًا حَتَّى تَنْقَرِضَ عَصَبَةُ النَّسَبِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَلَى عَصَبَاتِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْمِيرَاثِ (وَلَا يَعْدِلُ لِلْأَبْعَدِ إلَّا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهَا)؛ أَيْ: الدِّيَةِ (مَالُ الْأَقْرَبِ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقُدِّمَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ؛ وَلِأَنَّ الْأَقْرَبَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِمَنْ يَلِيهِ، فَكَذَا إذَا تَحَمَّلَ الْأَقْرَبُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ (لَكِنْ تُؤْخَذُ) الدِّيَةُ (مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ) لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ غَائِبًا (مَسَافَةَ قَصْرٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَ الْمَسَافَةِ فَحُكْمُهُ كَالْحَاضِرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْقُرْبِ وَكَثُرُوا) كَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَزَّعَ الْوَاجِبَ بَيْنَهُمْ) كَالْمِيرَاثِ (وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَنْ) يَعْقِلُ (وَارِثًا فِي الْحَالِ)؛ أَيْ: حَالِ الْعَقْلِ (بَلْ مَتَى كَانَ يَرِثُ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلَ)؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ.
فَائِدَةٌ:
عَاقِلَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ عَصَبَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةُ الْوَارِثِينَ لَهُ. (وَمَا أَوْجَبَ ثُلُثَ دِيَةٍ فَقَطْ كَجَائِفَةٍ أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ)؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا، (وَ) مَا أَوْجَبَ (ثُلُثَيْهَا)؛ أَيْ: كَجَائِفَةٍ مَعَ مَأْمُومَةٍ (فَأَقَلَّ) كَدِيَةِ امْرَأَةٍ وَعَيْنٍ وَيَدٍ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ ثُلُثُ) دِيَةٍ، (وَ) أُخِذَتْ (التَّتِمَّةُ) مِنْ الْوَاجِبِ (فِي رَأْسِ) حَوْلٍ (آخَرَ) رِفْقًا بِالْعَاقِلَةِ. (وَإِنْ زَادَ الْوَاجِبُ عَلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) وَلَمْ يَبْلُغْ دِيَةً كَامِلَةً كَأَرْشِ سَبْعِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (أُخِذَ رَأْسَ كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثُ دِيَةٍ وَ) أُخِذَتْ (التَّتِمَّةُ) مِنْ الْوَاجِبِ (فِي رَأْسِ) حَوْلٍ (ثَالِثٍ). (وَإِنْ أَوْجَبَ) خَطَأٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (دِيَةً أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ دِيَةٍ كَامِلَةٍ (بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَضَرْبَةٍ أَذْهَبَتْ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَفِي سِتِّ سِنِينَ) فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي (كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثُ دِيَةٍ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ لَمْ يَنْقُصْ فِي السَّنَةِ عَنْ الثُّلُثِ، فَكَذَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الضَّرْبَةُ الْأُمَّ وَجَنِينَهَا بَعْدَ مَا اسْتَهَلَّ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ؛ فَفِيهِمَا دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْجَنِينِ، لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ.
(وَ) إنْ ذَهَبَ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ وَنَحْوُهُمَا (بِجِنَايَتَيْنِ) بِأَنْ ضَرَبَهُ فَأَذْهَب سَمْعَهُ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ بَصَرَهُ؛ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (أَوْ قَتَلَ اثْنَيْنِ) وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ (فَدِيَتُهُمَا تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ)؛ لِانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ بِحُكْمِهِ. (وَابْتِدَاءُ حَوْلِ قَتْلٍ مِنْ) حِينِ (زُهُوقِ) رُوحٍ، (وَ) ابْتِدَاءً حَوْلٍ فِي (جُرْحٍ مِنْ بُرْءٍ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِقْرَارِ. (وَلَا دِيَةَ لِسِنٍّ وَظُفْرٍ وَمَنْفَعَةٍ) مِنْ الْمَنَافِعِ (إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ صَارَ) مِنْ الْعَاقِلَةِ (أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ) وَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى (وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ؛ لَزِمَهُ) مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَا كَانَ كَذَلِكَ جَمِيعَ الْحَوْلِ؛ لِوُجُودِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ. (وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ) كَأَنْ جُنَّ فَعَلَيْهِ (قِسْطُهُ)؛ أَيْ: ذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ، (وَ) إنْ حَدَثَ بِهِ (قَبْلَهُ)؛ أَيْ: بِالْحَوْلِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ مَعَهُ (سَقَطَ) قِسْطُ ذَلِكَ الْحَوْلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ مُوَاسَاةً فَسَقَطَ بِحُدُوثِ الْمَانِعِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ.